الخميس، ١٨ نوفمبر ٢٠١٠

مسألة في الحب ...


استنهضتني للحديث بعد طول صمت بسؤال لا أدري أهو نتاج الفراغ أم العقل المفكر، لكني لم آبه لمصدره بقدر ما عنيت باستجماع إجابة له.. قالت: أيّ نوعي الحب أصدق وأشرف وأسمى، الحب الفطري أم الحب الطارئ المكتسب؟

استنفرت ما بقي لي من همّة في الحديث وقلت:

أما الحب الفطري الغريزي فإنه يودَعُ قلوبَنا قبل أن نولد ، فنأتي إلى الحياة وقد جرى في عروقنا جريان الدم ولا ينفك عنها إلا بسبب عزيز قلّ أن يتوفر أو أن يؤثر على بقاء هذا الحب.. وتستوي في وجود هذا الحب جميع المخلوقات حتى البهائم ، كما يستوي فيه جميع البشر على اختلاف طبائعهم ، الرحيم والقاسي ، الرقيق والغليظ ، فلا فضل لأحد في وجوده ، ولا تميّز لأحد في شدته أو زيادته عن العادة ، إذ هو استجابة غريزية فطرية لا نعجب من وجودها وشدتها عند أحد، بل العجب يكون من خلاف ذلك وهو عين الشذوذ عن الفطرة..

وأما الحب الطارئ المكتسب فهو ما يميّز أقواماً عن آخرين، وبه يكون مناط الوصف لأحدٍ بالمحب ولآخر بالمحبوب، وغالباً ما ينتهي إليه القصد حين يتحدث الناس عن الحب بلفظه المجرد.. هو المقياسُ للرقة والغلظة ، واللين والجفاء ، وعليه مدار العشق ، هو ما يُمنعُ النوم عن أقوام فيضحكهم ويبكيهم وربما قتل آخرين ، قد نُظمت فيه آلاف القصائد بآلاف اللغات على مدى التاريخ ، وسُطرت فيه مئات الآلاف من الصفحات ما بين مسرحية ورواية وخطاب وكتاب يُحلل ويفسر ويشرح ويوضح ويصف ماهيته وأشكاله وأنواعه وأحواله..

فأيّ شكٍ بعد ذلك في شرف الأخير وسموه ومنزلته؟!

وأيّ جورٍ ألحقناه به حين جمعنا بينه وبين الأول الذي سُميّ مجازاً بالحب عن غير جدارة واستحقاق ، فما هو إلا عاطفة مركبة مودعةٌ في أصل الحيوان أيا كان .. فلا تقرني بينهما بعد اليوم وقد تبين لك الفرق وبان لك ما خفي على كثير من الخلق...

ليست هناك تعليقات: