الخميس، ١٨ نوفمبر ٢٠١٠

مسألة في الحب ...


استنهضتني للحديث بعد طول صمت بسؤال لا أدري أهو نتاج الفراغ أم العقل المفكر، لكني لم آبه لمصدره بقدر ما عنيت باستجماع إجابة له.. قالت: أيّ نوعي الحب أصدق وأشرف وأسمى، الحب الفطري أم الحب الطارئ المكتسب؟

استنفرت ما بقي لي من همّة في الحديث وقلت:

أما الحب الفطري الغريزي فإنه يودَعُ قلوبَنا قبل أن نولد ، فنأتي إلى الحياة وقد جرى في عروقنا جريان الدم ولا ينفك عنها إلا بسبب عزيز قلّ أن يتوفر أو أن يؤثر على بقاء هذا الحب.. وتستوي في وجود هذا الحب جميع المخلوقات حتى البهائم ، كما يستوي فيه جميع البشر على اختلاف طبائعهم ، الرحيم والقاسي ، الرقيق والغليظ ، فلا فضل لأحد في وجوده ، ولا تميّز لأحد في شدته أو زيادته عن العادة ، إذ هو استجابة غريزية فطرية لا نعجب من وجودها وشدتها عند أحد، بل العجب يكون من خلاف ذلك وهو عين الشذوذ عن الفطرة..

وأما الحب الطارئ المكتسب فهو ما يميّز أقواماً عن آخرين، وبه يكون مناط الوصف لأحدٍ بالمحب ولآخر بالمحبوب، وغالباً ما ينتهي إليه القصد حين يتحدث الناس عن الحب بلفظه المجرد.. هو المقياسُ للرقة والغلظة ، واللين والجفاء ، وعليه مدار العشق ، هو ما يُمنعُ النوم عن أقوام فيضحكهم ويبكيهم وربما قتل آخرين ، قد نُظمت فيه آلاف القصائد بآلاف اللغات على مدى التاريخ ، وسُطرت فيه مئات الآلاف من الصفحات ما بين مسرحية ورواية وخطاب وكتاب يُحلل ويفسر ويشرح ويوضح ويصف ماهيته وأشكاله وأنواعه وأحواله..

فأيّ شكٍ بعد ذلك في شرف الأخير وسموه ومنزلته؟!

وأيّ جورٍ ألحقناه به حين جمعنا بينه وبين الأول الذي سُميّ مجازاً بالحب عن غير جدارة واستحقاق ، فما هو إلا عاطفة مركبة مودعةٌ في أصل الحيوان أيا كان .. فلا تقرني بينهما بعد اليوم وقد تبين لك الفرق وبان لك ما خفي على كثير من الخلق...

الجمعة، ٢٩ يناير ٢٠١٠

وداع ...


ها قد آذنت سِنِيٌ الجامعة الأربع بالرحيل .. وها أنا ذا أرفع يدي مودعاً إياها وفي عيني تنطفئ بعض الجذوات وتأفل بعض النجوم ...
وكأني بها تهتف بي : لقد آن لك أن ترحل عنا .. فقم إلى أرضك الجديدة .. والحق بالألوف الذين سبقوك .. فغداً ستذكرنا وفي قلبك حنين وأنين .. فأنت على أعتاب عالم موحش .. عالم ما بعد التخرج .. قد ولّت أيام الراحة وأقبل الكدّ والتعب ..

كلمات لا أستطيع أن أخفيها .. فأنا اليوم بدأت أحس بنُذُر التحول .. أودع عالم الرومانسية الحالمة بغموضها وإثارتها ، عالم الكتب والفكر والثقافة والثورة والضحك والسخرية والفراغ المبدع إلى عالم آخر حاسم كالسيف .. وحياة واقعية عملية قاسية ..

هل سأستطيع بعد العامِ أن أضحك .. أن أسخر .. أن أدون في مدونتي عباراتي الغامضة وفي مفكرتي أشعاري الثورية والرمانسية ؟؟



وهل سأجد دقيقة في ليلة باردة أتأمل فيها الكون والنفس والحياة ، وأسجل ذلك في أوراقي ؟

اليوم أحس بوخز ما قبل الرحيل .. وأحس بلهفة إلى الحاضر الذي سأغادره عما قريب .. فلتغفر لي هذه الأيام تقصيري في الاستمتاع بها ، ولترفق بي الأيام القادمة ..

الأربعاء، ١٥ أبريل ٢٠٠٩

الحقيقة ...


قرأت دواوين الشعر ومجلدات النثر .. قرأت آلاف الصفحات من الروايات .. بحثت في كتابات الفلاسفة .. في صفحات التاريخ .. في كلمات الأغاني .. في قصص العشق والعاشقين .. ثم بعد حيرة طويلة عثرت على أحق الحقائق في هذه الحياة .. عثرت عليها في سجدة في جوف إحدى الليالي ..
تعلمت بعد هذه السجدة أن أسخر من كل العواطف .. لم يعد للحزن ولا للعشق ولا للخوف ولا لأي شعور قيمة أمام هذا الطوفان الخاشع .. كل هذا في بضع دقائق !!

 

الثلاثاء، ١٠ فبراير ٢٠٠٩

أقلام ليلية _ الرابعة




حين يتحول منبر المسجد إلى منبر لليبرالية والديمقراطية ، وتتحول خطبة الجمعة إلى خطبة من أجل حرية الرأي والتعبير و"الرأي والرأي الآخر" .. ويغيب الإسلام عن موضوعها تماماً وتحل الديمقراطية محل تحكيم الشريعة وتصبح مصيبتنا ليست غياب الإسلام ، بل غياب الليبرالية ...حينها سيحملونني من مسجد " أعضاء هيئة التدريس " بشارع جيهان إلى مستشفى الطوارئ بنفس الشارع للعلاج من الفالج الديمقراطي والصدمة العصبية الليبرالية ...


تأملت تردد الإنسان بين القوة والضعف فوجدت أن كلاً من المتناقضين ضروري لوجود الآخر ، فلابد كي تستبين القوة من خلجات ضعف ينتصر عليها المرء بعلو همةٍ وسمو نفس .. فأيُّ قوة تلك التي لم تجد ميداناً تثبت فيه وجودها ، ومعركة تخوضها لتحقق ذاتها .. إن الضعف ضروري كالقوة .. ولا خجل من الضعف إذا المرء عليه انتصر..


إن للكآبة والحزن لذّة لا يدركها إلا من صبغوا أنفسهم بأصباغ الحزن واليأس وصارت لهم طبيعة وسمتاً وخاصيّة ، أما الذين يجربون هذه المشاعر في لحظة طارئة عابرة فإنهم يشقون بها كثيرا ...


حين لا تجد شيئاً تسطره في أوراقك .. حين تختفي المعاني ولا تلبي رغبات القلم المتحمس .. وتخفق الحروف أن تأتي والكلمات أن تتكون .. ثم تنظر إلى مأساة قلمك حزيناً وحيداً بائساً ؛ فابدأ من هنا تسطير مأساتك ، واخلق من العدم أروع مسرحية تراجيدية أبدعها قلمك ...
إن الدنيا لا تساوي عند الله جناح بعوضة .. ولكنها تساوي عندنا الكثير ...
إن العاشق لا يُلام على تعلقه بجسد معشوقه .. فأيُّ عشقٍ للروح بلا عشق للصورة التي تحمل تلك الروح ؛ أو التي تحملها تلك الروح ...



بعد أن أدمنت النظر في خريطة العالم المعلقة خلف مكتبي ؛ صار لي في كل بقعة منها شبحٌ يتراءى .. لقد صرتُ شبحاً كبيراً يملأ العالم ...
بإمكان أي أحدٍ أن يصبح ثرياً .. أن يصبح ملكاً أو وزيراً أو رئيساً .. أن يصبح بطلاً أو فارساً عملاقاً .. أن يتزوج.. أن يجوب العالم ويرى عجائب الدنيا ويخوض خطير المغامرات ..أن يتحول إلى أي شيء في أي لحظة وفي أي مكان ؛ إذا أيقن أن عقله وخياله هو الكون لا يعوزه شيء ولا يختلف عن نسخته الأخرى في شيء ...
توقفت كثيراً عند احترام الإبداع .. هل كل إبداع يستحق الاحترام ؟ أم لابد أن يوافق الإبداع معتقداتي ومبادئي كي يستحق احترامي ؟ أم أن لكل أحد أن يبدع منطلقاً من معتقده ثم يحترم كلانا إبداع الآخر ؟ وإذا لم أحترم إبداعاً لأنه خالف معتقداتي ؛ فما نوع هذا المعتقد ؟ هل أسمح لإبداع الآخر أن يتعدى على معتقدي ككل لكن لا يقترب من عقيدتي الدينية ؟ وهل فقد الإبداع حقيقته حين خالف معتقدي ( المعتقد الصحيح ) ، وهل كل إبداع يجب أن يوظف في صالح القيم الخيّرة ؟! ... همهماتٌ ربما تدور في حلقة واحدة نخلص منها إلى أن الإبداع لا يفقد اسمه أياً كان محتواه ، ولكن هناك إبداعٌ " طيب " وآخر " خبيث " ...
يتهمني بعضهم بالفراغ وأنه سبب تفلسفي !! وكأن الفلسفة شيء يتجلى في الفراغ والبطالة ويختفي في زحام الحياة والعمل !!! إن تفلسفي لا يتأخر عن تنفسي .. وما من ذرة هواء تدخل أو تخرج إلا بتصريح فلسفيٍّ ، وما من سكنةٍ ولا همسةٍ إلا متبوعة بحوار فلسفي أو مغامرة تأملية .. فيا لهم من جُهّال !!

الخميس، ٢٢ يناير ٢٠٠٩

أقلام ليلية _ الثالث




جلس الديكُ مقهورُ العُرف بين دجاجات سِمان ؛ ما زال قوى الحنجرة ولكنه غير قادر على الصياح ، فقد هزمت الدجاجات الديك وصار زمانٌ بلا دِيَكَة ...

كل شيء قد يتحول إلى امرأة .. حتى خريطة العالم !!!

إن عجزنا عن إدراك كُنه النفس البشرية لا يعني عجزنا عن محاولة التقدم في سبر غوارها واستخراج دفائنها ، وما في الحياة ألذَّ من خلوة أستكشف فيها نفسي ، أو موقف يظهرُ لي شيئاً من حقيقتها ...
أحيانا أشكُ أن لي غير نفس ، فهاهي واحدة توحي بشيء ، ثم أخرى تنقض حجة الأولى ، ثم ثالثة تتبع الجسد ، ثم رابعة تسكن القلب ، وأخرى وأخريات ربما اجتمعن في لحظة واحدة فينشب " صراع الأنفس " داخل الجسد الضعيف ...

ما بين الرمزية والواقع أن الأولى تأتي لنا بالحقائق بشكل غير مباشر بعد أن مللنا صدمات الواقع .. إنه نوع من التغيير الممتع ...
لم يعد هناك فرق بين " الهـوى " و " الهـواء " بعد أن صار الأول عنصراً يحلّقُ في مدرات الأخير ...

إن ذهولي بماهية اللغة وقدرة الإنسان على الكلام تزداد يوماً بعد يوم بمجرد التأمل والتفكير ، فكيف لو كان تأملاً في شكل دراسة بحثية علمية ؟ لا شك أنها ستكون ثورة من اللذة والمتعة !!!
إن الرمزية الميتافيزيقية الموظفة تراجيدياً تخلق نوعاً من التفاعل الإبستمولوجي داخل السيكوراديكالية اللامرئية ، وهذا بلا شك تطور في بنيوية النسيج الدرامي بعد عصر من طغيان الأيدولوجيات ..

لو سألت معظم الناس هل يؤمنون أن السعادة في المال فقط لكانت الإجابة " لا " ، ولكنها مجرد إجابة باللسان فقط عند أكثر من 90% منهم ، والعشرة الباقية يؤمن معظمهم بالإجابة عن قناعة حقيقية ، لكنهم قليلون جداً من يحولون هذه القناعة إلى " واقع حياتي " ...

الخميس، ٨ يناير ٢٠٠٩

كن نفسك ...




منذ فترة وأنا أعيش صراعاً فلسفياً نظرياً بدأ ينحو نحواً تطبيقياً ؛ صراعٌ بين الوجود في كون " الآخر " وبين الوجود في كون " النفس " ...

" كن نفسك " ؛ هذا هو شعار حملتي الشرسة لاستئصال شأفة المظاهر ومراقبة الناس وتوظيف الطاقات الفكرية والجسدية نحو صالح النفس فقط دون شكلٍ اجتماعي ومظهر عام يعـوق التقدم ويكبّل النفـس بأغلال مودية بها إلى مجاهل الذوبان فـي " الآخر" ...

ما ألعن هذا " الآخر " حين يتحكم في سكناتي وهمساتي وآمالي ويصيرني عبداً لدى أعرافه الجائرة وتقاليده العقيمة ... ولكن هيهات ثم هيهات !!


لتكن ثورةً إذن !! أمهد لها على جميع المستويات ثم قريباً أعلنها لأطيح بكل هذه الأصنام التي تعظم من دون النفس ، وأقيم إمبراطوريتي فوق أرضي وتحت سمائي ، ترفرف فوقها راياتي معلنة نهاية حكم طاغوت ظالم جثم على أنفاسها طويلاً ...

الأحد، ٢١ ديسمبر ٢٠٠٨

أقلام ليلية _ الثاني

أقلب قهوتي في الكنكة فتتراءى لي دورة مستقبلي في دورة الملعقة .. أمعقول سيأتي يوم أتزوج !! ويكون عندي أولاد !! وأكون مسئولاً عن أسرة !! وهل ستتحول اهتماماتي إلى اهتمامات مادية بحتة ، ويكون كل همي وتفكيري كيف أجمع المال وأشتري بيتاً أو سيارة أو أؤمن مستقبلي والأولاد .. وتتحول حياتي إلى عمل بالنهار ثم نوم بالليل .. "جيفة بالليل حمار بالنهار" !! وتتحول جلساتي إلى مسوخ من أحاديث سخيفة حول الدنيا ومشاغلها !!! يا الله ... أبعد عني هذه الخواطر القبيحة .. أنقذني من خيال يحول مستقبلي إلى جحيم .. تالله للموت أهون من حياة دنيئة كهذه

تأملت القيم فوجدت أن أصلها هو " النفس الإنسانية " ، فالنفس وحدها هي من يعطي للقيمة معنى وحقيقة ويمنحها وجوداً .. فهل لنجاحك _ مثلاً _ معنى إذا لم تعتبره أنت نجاحاً ؟ وهل يزول إحساسك العميق بالفشل لمجرد أن الآخرين يعدونك ناجحاً ؟ إنني فقير طالما اقتنعت أني فقير ، وغني إذا اعتقدت أني غني ، وناجح إذا أيقنت أني ناجح ، هذه هي القيم في أصلها وحقيقتها ، ولكن يلزم لتحقيق هذه القاعدة تطبيقٌ لمبدأ كبير واسع في الحياة ، ألا وهو " كن نفسك "


في إطار سعيي إلى إثبات وجودي خارج الأطر الاجتماعية المتكلفة المفتونة بالمظاهر والرسمية الكئيبة قد أرفض نظرية الزواج ، حيث هو كظاهرة اجتماعية أساسية يعد من أكثر ما تنجلي فيه المظاهر والمخادع والتكلف وغيرها من الآفات القبيحة ، ولن ينجو متزوج من شراكها طالما كان زواجه في ذلك المهد المريض
إن الحالة الوحيدة التي يمكن أن أرضى فيها عن زواجٍ هي أن يتم بين طرفين جاحدين لحتمية الأعراف الجائرة ، ولا أقصد هنا طرفي الزواج فحسب ، بل كذلك الفروع المفروضة لزاماً لإتمام هذه العملية ، كعائلتي الزوجين ، وهذا أمر يبدو شبه مستحيل


يريد أحدهم وقد علاه اليأس أن ينتقم من سبب يأسه فيدعي أن الشهوة بمضاعفاتها من العلاقات عمل حيواني ينزل به الإنسان وينحط إلى مستوى الحيوانات ..
ونحن نتساءل : لماذا لا تكون الشهوة ممارسة إنسانية راقية حين تفعلها الحيوانات فإنها ترتفع إلى شعور إنساني راقٍ ؟!! وأي شعور أرقى من شعور هو السبب المباشر في وجود الإنسان ؟
بينما أقرأ مأساة الملك لير وقفت عند إحدى الجمل حيث يتهم المتحدث النساء بأنهن أشبه بشياطين أشرار ...أعادت هذه الجملة إلى ذهني ما قيل كثيراً في الشر عند النساء ، وبعد تأمل وجدت أن اتهام النساء باستفحال الشر فيهم حتى يصل إلى درجة الشيطنة وهم لا حقيقة له ، فالشر عند الرجال لا يقل عنه عند النساء ، ولكن ربما طبيعة المرأة وجمالها أوحت إلينا عبر التاريخ أنها مخلوق غير مجبول على الشر ، فإذا ما رأينا منهن شراً استعظمنا ذلك وقلنا أن النساء شيطانات شريرات ، والضد يظهره بجلاء الضد


آخر ما كتبت واعظاً نفسي :

هي الدنيا تزول بكل يوم .. وتبعد عن عيون الغافلين
ويخبرنا المغيب بكل ليـل .. بأن الشمس مُنذرة اليقين
فيا أيها الساعي بصبـحٍ .. تأمل في صباح الغابرين
فهم قد أصبحوا في جوف قبرٍ .. بعيداً عن عيون الناظرين

وأمسوا دون قمر أو نجوم .. وغابوا عن لسان الذاكرين

السبت، ٦ ديسمبر ٢٠٠٨

الموت سؤال وجواب _1



_ ما الموت ؟
_ الموت هو عكس الحياة ، هذا ما أعتقد ، ما رأيك أنت ؟
_ لا ،الموت ليس عكس الحياة ، بل هو الحياة الأصلية ، أو هو امتداد لحياةٍ أولى ، الفرق أن الأولى حياة بجسد ، والأخرى حياة روح بلا جسد ...
_ ولماذا نبكي ونحزن على موتانا ؟!
_الحقيقة أني لم أجرّب هذا الشعور بعد كما لم أجرب الموت الحقيقي ، ولكني أعتقد أنهم يبكون لخطأ في اعتقادهم ، فهم يظنون ، وربما كانوا متيقنين أنهم سيعمرون طويلاً بعد هذا الشخص ، والحقيقة أنهم في بكاءهم هذا غير محقين نوعا ما ، فلو افترضنا صحة افتراضهم أنهم سيعمرون طويلاً ، فلا داع للبكاء في هذه الحالة ؛ لأن الأيام ستنسيهم فقيدهم ، وستكون الحياة بدونه كما كانت به ، ولو افترضنا أنهم لن يعمروا طويلاً بعده فليس لهم البكاء إلا على أنفسهم ، لا على هذا الراحل الذي سيلحقون به قريباً.
_إذن أنت لن تبكي إن فقدت عزيزاً ؟
_ كلا ، سأبكي .. فالبكاء في هذه الحالة _ كما عند الآخرين _ سيكون هو رد الفعل الطبيعي في موقف كهذا ، وهذا موقف مسجل في ذاكرتنا العاطفية نتجاوب معه لا إراديا بهذا الأسلوب من التعبير عن الإحساس ...


_ ولماذا لم تبك عزيزاً إلى اليوم ؟


_ربما لأن عاطفتي مميزة عن كثير من الناس ، فكان من الحكمة القدرية أن أحرم من هذا الشعور هذه المدة الطويلة ، أو أن أفجع في مدة قصيرة بكمية كبيرة من هذا الشعور ،وهذا ما أنا جاهد في الاستعداد له عاطفياً ، والحق أنها ستكون تجربة مثيرة إذا جربتها ، وإذا انتهت حياتي سريعاً قبل أن أجربها فهذا أيضاً تأكيد لعاطفتي المميزة ... ( التميز هنا أقرب إلى الشذوذ ) ...

الجمعة، ٢٨ نوفمبر ٢٠٠٨

أضعت اللاشيء !!!



أضعت حروف القصيدة .. وقافية القصيدة .. وأبيات القصيدة .. تأبى الحروف أن تتأتى إلا منثورة ؛ تماماً كأفكاري .. وأقلامي .. ومحابري .. تماماً كهذه الأشياء التي أنثرها في خاطرة منثورة .. في لحظة منثورة مشتتة خارج الأزمنة والأمكنة وكل الحدود ...


لقد أضعت القصيدة .. ما أقبحني .. ما أجهلني .. ما أخونني للأمانة .. لقد أضعت القصيدة وصرت عاراً على الشعر والشعراء ؛ وهاأنا ذا ألقى أول العقوبات ، لقد هجرتني المشاعر جميعاً وتركتني في صحراء اللاشعور .. فلا حبٌ ولا بغضٌ ولا لذّة ولا عذاب ولا ألم ولا حياة .. لا شيء سوى موت آتٍ قبل أوانه ليذيقني طعماً من الموت لم ولن يتذوقه أحد من البشر سواي ..


لا شيء سوى معانٍ بلا معان .. حروفٌ بلا دلالات .. قصائد بلا أبيات ؛ ولا قافية ولا سطور .. أغنية بلا كلمات ؛ بلا لحن ؛ بلا أصوات ..


أشياء مجردة من خاصية الأشياء .. وحياةٌ ضائعة في بحر اللاحياة .. بحر لا يعرفه الموت ولا تعرفه الحياة .. لم يعرفه من البشر سواي ، أنا ذلك الشخص ( بلا شخص ) الذي يعيش ( بلا عيش ) في عالم اللاحياة ...


أنا بلا " أنا " .. وهذه الكلمات بلا معان ولا حروف .. وهذه الليلة بلا معالم .. يبدو أنها ليست ليلة .. بالتأكيد هي ليست ليلة ، فليس من شيء في هذه اللحظة يمكن أن نطلق عليه اسماً .. لأن الأسماء لم تعد موجودة ....

الجمعة، ٢١ نوفمبر ٢٠٠٨

أقلامٌ ليليّة



رغم أني عشت طويلاً في هذه الحياة ، فما زالت تطالعني كل يوم بسر جديد .. يبدو أني لن أن أتمكن منها قبل أن أموت لأسجل في مذكراتي تلك " الحكمة الكاملة " التي أجتهد في البحث عنها !!


* إننا لا نسافر للبحث عن الحقيقة ، لكننا قد نسافر للبحث عن أداة نستخرج بها كنز الحقائق المدفون داخلنا ومن حولنا ..
* إن الحقيقة الكاملة قابعة في داخل العقل والقلب والروح ، لكن الله هو الذي يأذن للإنسان أن يطلع على ما في داخل نفسه ..


أولئك الذي يأتون ويذهبون .... لا أستطيع أن أصف شيئاً غير موجود !!!
أما هؤلاء الذي ينحتون أسمائهم في قلوبنا لابد أن في أرواحهم سراً لم أعرفه .. إنهم في ظلّي .. في ذاكرتي حين أنسى اسمي في زحمة الأيام والليالي ..

* لم يأخذ الموت عزيزاً على قلبي إلى الآن !!! ربما لأنهم لا يموتون ؟!!


* ما أشبه الموت برواسب فنجان القهوة ، فكلاهما يباغتني بعد رحلة من اللذة والمرارة ، ولكني بانتهاء فنجان القهوة أغسل فنجاني وكأن قهوةً لم تكن !!!


* إنني حينما أكتب عن نفسي فإني لا أكتب عن نفس واحدة لشخص واحد ، بل أؤرخ لواحدة من الشخصيات النمطية المحدودة التي يتداولها معظم البشر على مر العصور.... ...

* إن أفكاري لا تنتهي إلا حينما يتوقف قلمي عن الكتابة ، فالفكرة المسطورة أمامي على أوراقي توحي بالتي تليها ، والقلم يسيل بالكلمات بلا توقف لاستجماع فكرة أو صياغة عبارة !!

* إن ظاهرة العنوسة تأتي عقاباً لجنس النساء جزاءً على تمردهن وجحود أفضال أزواجهن طوال التاريخ ، وإن ما نراه اليوم من تفنن الفتيات في أساليب التبرج والإغراء وفتنة الرجال ما هو إلا دليل واضح على ما آلت إليه المرأة من ذل أمام الرجل !!



*إن القهوة أشد منافس للخمر _ في نظري _ فما تمنحه الأخيرة من نشوة مزيفة لأهل العربدة والتيه ، ليست بأقل مما تمنحه القهوة بعمق نشوتها لأهل الأدب والثقافة والقلم ( الشاربون منهم ) ...

*إن الإبداع المستحق للاحترام لا يأتي نتيجة لخيال فياض وموهبة فذّة فحسب ، بل يصاحب ذلك جهدٌ وبحث ودراسة ، فليست الموهبة المجرّدة جديرة بالاحترام إلا إذا صاحبها جهد وعمل .



* لكل شيء في الحياة لذّة ، واللذة في أصلها طعم واحد ، فلا فرق بين لذة الطعام ولذة الألم إلا أن الأولى يصحبها ألم والأخرى تسكينُ جوع ...


* إنني لم أعرف الحياة بعدُ كما أتمنى ، أريد أن أجرب كل المشاعر التي تمتلئ بها الحياة ، أريد أن أجرب شعور الخوف والبغض والرعب والوحدة والسكون والنصر والهزيمة .. أريد أن أجرب ذلك الشعور الذي يسمونه " الحب " .. أريد أن أعيش شعور مسجون يُقاد إلى حبل الإعدام ... إني أتحسر حين أعيش في الحياة وأنا على هامش مشاعرها ، أو أسيراً بين شعور متكرر لم يعد يراودني لأنه صار جزءاً من وجودي !!!


ما الحياة سوى بكاء ثم ضحك ثم بكاء ثم ضحك .. سلسلة من حلقتين متكررتين تُغلقُ بسكون وهدوء .. فأنا حي حينما أضحك أو أبكي ؛ ولست في الحياة حينما أكون هادئاً ساكناً ، فحينئذ أكون بعيداً عنها أراقبها وأتأملها وأدوّن مشاهداتي من ذلك المكان السحيق ...






الثلاثاء، ١٢ أغسطس ٢٠٠٨

إليكِِ سلامٌ





كان هذا نص الرسالة ....لنقرأ معاً ماذا خطّ الفتى ...



" إليك سلامٌ ..
عليكِ سلامٌ ..


إليك كل طيب يمكن لحروفي أن تكونه ..
إليك كل جميل يمكن لأقلامي أن تخطه ..
إليك كل رائعة كُتبت .. أو ستُكتب ..
إليك كل كلام أقوله .. أو أنساه .. أو لا أستطيعه ..
إليك كل المعاني التي أحسها أو لا أحسها .. أعبر عنها أو أعجز ...
لو كان لي أن ألقاك يوماً فذا لقدرٍ مكتوب ..
وإن لم يُكتب أن ألقاك أخرى فلا أبكي على مسكوب ..
ولكن أيقني يا كل جميل أن لقاءً قد كان لم يزل .. وسيبقى ...
أنا لا أكتب شعراً ..
ولا نثراً ..
إني أخط بلغة جديدة أوقن أن قلبك يفهمها قبل أن تمرها عيناك ..
إن حروفي الساكنة لا تفضح بركاناً من الأشواق ..
ودموعي بين السطور ليست سوى قطرات من بحور ...
فلا تعجبي أن تقصُر سطوري ..
ولا تعجبي أن لا أكمل رسالتي ..
فالحروف تختفي أمام المعاني ...
قد قرأت رسالتك ،، وأبكتني أحرفك ..
وأثارت ما لم يكن ساكناً ... ولن يسكن ..
فارفقي بعينيّ من الدموع ..
وارفقي بقلبي من الخشوع ..
وارفقي بعاشق لا يحتمل عذاب الحروف ...
واعلمي أن نور اليقين في آخر سطورك نجمٌ أضاء سماوات معتمة من اليأس ...
وسأرفق في أحرفي خوفاً على عينيك ..
فألوان دموعك قد رسمت لوحة على رسالتك ..
وإنها لمن قلبي بمكان ..
وإلى أن نلتقي فلا تنسي شيئاً من حُبٍ في بعض أوراق ...
انتهت حروفي .. وما زال البحر ثائراً ...


فسلامٌ إليك مِنِّي ..
وسلامٌ عليك مِنِّي ..."

الأحد، ١ يونيو ٢٠٠٨

دعيني أخرى ...




دعيني أشعُر ...
دعيني أُشعِر ...
دعيني أكتب ...
ثم دعيني أعيد ما كتبت ...
دعيني أعيد صياغة حروفي ...
دعيني أمسح من أوراقي كل رائعاتي ، فقد عفت عليها الساعات والدقائق وأصبحت لا تناسب حبي المتجدد كل لحظة ...
دعيني أحيي بأبياتي قيساً وكُثيّر وعنترة ... وأعيد بها ذكر ليلى وعزة وعبلة ...
دعيني أؤلف لغة جديدة أجد في معجمها ألفاظاً تناسب إحساسي ...
هبيني عينيك كي أصنع منهما شموساً تضيء لنا الكون ؛ فقد ملّ البشر من شمسنا التي لم تعد تستحي منها القرون
هبيني سوادهما لأنسج منه خطوط ليلٍ حالك ينام فيه جميع البشر ، ولا يبقى على الأرض سوانا أحياء ...
هبيني أحبال صوتك كي أملاً بها الكون مزامير تزول بها آثار الضوضاء على مر التواريخ ...
هبيني شيئاً من قلبك ألين به قلوب القساة ، وأحيل العالم إلى صفحة بيضاء لا بثور فيها ولا شوائب ...
هبيني شيئاً من عقلك كي أخلق منه عقولاً لكل الحيوانات والجمادات ، وأحيل به كل النساء إلى عاقلات ...
هبيني شيئاً من جنونك أحول به الكون إلى مستشفىً للمجانين ...
هبيني شيئاً من سكونك أجعل من الكون ليلاً هادئاً سرمداً إلى يوم القيامة ...
تعالي لنختبر معاً قوة الشمس إذا وقفنا أمامها ...
تعالي لنريح الكواكب والنجوم ليلةً ؛ أو إلى الأبد ...
أجيبي عليّ بكلمة واحدة ، أو بنظرة واحدة كي ينفجر بركان أحرفي لينثر حمماً تحرق العالم ...
أو أعرضي عني لتموت الحروف ، ويموت معها آخر أملٍ في حبٍ حقيقي في تاريخ الكون ...
أو تخلصي من ضوضائي إلى الأبد وقولي لي " أحبك " ...

الجمعة، ٣٠ مايو ٢٠٠٨

دعيني ....

دعيني أرسم هذي الخطوط ...
دعيني أحطم كل الشروط ...
دعيني أقتل حروفي حين أرسمها ...
منذ ولدت وأنا فاشل في الرسم ، ولكني اليوم لابد أن أرسم ...
لا ؛ بل لابد أن أبدع لوحة يجمع على جمالها الفنانون ...
شاءت خطوطي أو أبت ... أطاعتني أقلامي أو تمنعت ...
يحاول العالم أن يحول بيني وبين حروفي كي لا تُفضح أسرارُه أمامك ...
تحاول الخطوط أن تهرب لأنها لم تعتد من قبل أن ترسم لوحة حقيقية ...
أريد أن أكتب لأول مرة في حياتي ...
أريد أن أرى الحقيقة القابعة داخلي أمامي لأول مرة في خطوطٍ على صحيفتي البيضاء ...
أريد أن أبوح ثم أبوح ثم أبوح كي يفرغ داخلي من الكلمات ...
أريد أن أملأ سمعك وبصرك وقلبك بأطنان الحقائق كي تجربي شيئاً من وطئتها ...
تعالي هنا واجلسي على يميني ..
لا ، بل هنا على يساري ...
لا ... أريدك أمامي ...
لا ... ليس مكانك خارج حدودي ، وليست حدودي تتعدى داخلي ...
تعالي هنا ، واسكني داخلي ...
ولا تغادريه ؛ فهنا ستجدين ما عَجبُهُ لن يسمح لتفكيرك أن يرنو لحظة إلى الخروج ...
وحيث أنتِ هنا فأشياء كثيرة ستنتهي ...
سأكسر أقلامي ، وأمزق صحائفي ، وأقطع لساني ...
فأنتِ مع قلبي سيخط ويرسم ، سيكتب ، سينطق ويسمعك أشعر الأبيات ، ويلحن لك أعذب النغمات ...
دعيني أذوب في خيالي ...
دعيني أمضي فيه الليالي ...
دعيني أعوّض ليل الخوالي ...
دعيني أنادي بالحب أن ينتهي ...
أن يفنى ؛ ثم يفنى ؛ ثم يفنى ...... ثم يعود جديداً ...
يعود جديداً أبيضاً خالياً من الشوائب وملوثات البشر على مر التواريخ ...
أريده صفحة ناصعة بيضاء كي تكون أسماؤنا أول الأسماء في كتاب الحب ...
دعيني أقوم الآن لأشرب شيئاً من ماء الحياة ، فحرُ هذه الكلمات جفف سوائل جسمي وعقلي وحروفي ...
انتظريني ، لا تغادري .... فإني عائد ...